منذ بداية القرن الحادي والعشرين، سعت مصر إلى إنشاء صرح حضاري يخلّد عبقرية أجدادها ويعيد تقديم تاريخها بأسلوب يواكب روح العصر، فكان المتحف المصري الكبير (GEM) أحد أعظم المشاريع الثقافية في التاريخ الحديث. فقد جاء ليكون أكبر متحف للآثار في العالم، يضم بين جدرانه أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمتد من فجر التاريخ إلى نهاية العصور القديمة.
كذلك، لم يكن المشروع مجرد بناء هندسي ضخم، بل رؤية قومية متكاملة تهدف إلى إعادة صياغة تجربة الزائر عبر الدمج بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة. لذلك، مثّل المتحف المصري الكبير نموذجًا عالميًا للتكامل بين العمارة والفكر، حيث جمعت مراحله بين التصميم الدقيق، والتنفيذ المحترف، والنقل الآمن للآثار من مختلف محافظات مصر إلى هذا الصرح الفريد الذي يُطل على الأهرامات مباشرة.
أبرز معروضات المتحف المصري الكبير (GEM)
فيما تستعد مصر لحدث تاريخي ينتظره العالم أجمع مع افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا في نوفمبر 2025، تزداد الترقبات لمعرفة ما سيقدمه هذا الصرح الأثري الأضخم في العالم من كنوز فريدة تسرد قصة الحضارة المصرية على مدى آلاف السنين. يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور، بعضها يُعرض لأول مرة منذ اكتشافه، ليحكي تاريخ الفراعنة عبر تصميم معماري مبهر وتجربة عرض متحفي متطورة تدمج بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة.

قاعة الملك توت عنخ آمون – بيت الفرعون الذهبي
تعد قاعة توت عنخ آمون درة التاج في المتحف المصري الكبير، إذ تحتضن للمرة الأولى المجموعة الكاملة لمقتنيات الفرعون الذهبي التي تتجاوز 5400 قطعة أثرية، بعد أن كانت موزعة بين متاحف مختلفة. هذه القاعة الفريدة تنقل الزائر إلى عالم الملك الشاب الذي حكم مصر في سن صغيرة وخلّد اسمه في التاريخ بكنوزه الفريدة.
ومن أبرز معروضات القاعة:
القناع الذهبي الشهير، وهو أبرز رموز الحضارة المصرية، مصنوع من الذهب الخالص بوزن 11 كجم تقريبًا، يرمز إلى الخلود والنقاء الملكي.
العجلات الحربية الست، تُعرض مجتمعة لأول مرة في مكان واحد بعد نقلها من متاحف القاهرة والأقصر والحربي، لتبرز عبقرية الصناعة المصرية القديمة.
ختم توت عنخ آمون، أول أثر اكتشفه هوارد كارتر عام 1922، يمثل بداية القصة التي غيّرت علم الآثار إلى الأبد.
الدرع الجلدي الفريد، قطعة استثنائية لم تعرض من قبل، تظهر براعة المصريين القدماء في المزج بين القوة والزخرفة الفنية.
أجنة توت عنخ آمون، وهما جنينان محنطان عمرهما 5 و7 أشهر عُثر عليهما داخل مقبرته، يعكسان الجانب الإنساني العميق في حياة الملوك.
المسلة المعلقة – تحفة هندسية من عصر رمسيس الثاني
تستقبل المسلة المعلقة زوار المتحف في الساحة الخارجية، وهي إحدى أكثر القطع إبهارا من الناحية المعمارية. تنتمي إلى الملك رمسيس الثاني، أحد أعظم حكام مصر في عصر الدولة الحديثة، وقد تم نقلها من موقعها الأصلي في صان الحجر بالشرقية لتعرض بأسلوب مبتكر يسمح للزائرين برؤية خرطوش الملك من أسفلها للمرة الأولى منذ أكثر من 3500 عام.
ومن مميزاتها الفريدة:
تصميمها المعلق على قاعدة معدنية حديثة يتيح المشاهدة من جميع الزوايا.
النقوش الهيروغليفية الباقية بحالة مذهلة رغم مرور آلاف السنين.
تقنية الإضاءة الليزرية التي تُبرز خرطوش رمسيس الثاني ليلاً.
استخدام مواد دعم غير مرئية تحافظ على الشكل الأصلي للمسلة دون المساس بسلامتها.
كونها أول مسلة في العالم يتم عرضها بهذه التقنية المعمارية المتطورة.
تمثال رمسيس الثاني – الحارس العظيم للبهو الرئيسي
يعتبر تمثال رمسيس الثاني أول ما يلفت أنظار الزوار في البهو العظيم للمتحف. هذا التمثال الضخم المصنوع من الغرانيت الوردي يبلغ طوله 11.3 مترًا ويزن نحو 83.4 طنًا. اكتشف عام 1820 في منطقة ميت رهينة، ونقل إلى ميدان رمسيس في خمسينيات القرن الماضي قبل أن يستقر في مكانه الجديد عام 2006.
أهم ما يميز التمثال:
دقّة النحت التي تُظهر ملامح القوة والحكمة في وجه الملك.
نقوش على الرداء والحزام الملكي تحمل أسماء الآلهة والرموز المقدسة.
موقعه الاستراتيجي تحت سقف زجاجي يعكس ضوء الشمس على وجه التمثال صباحًا في مشهد مهيب.
عملية نقله إلى GEM كانت من أعقد عمليات النقل الأثري في العالم واستغرقت أكثر من 10 ساعات.
التمثال يُعد مقدمة بصرية تعبر عن فلسفة المتحف: الجمع بين عظمة الماضي وتكنولوجيا الحاضر.
عمود مرنبتاح – سجل الانتصارات الملكية
من بين المعروضات المهيبة التي تزين بهو المتحف، يبرز عمود الملك مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، والذي يبلغ ارتفاعه نحو 5.6 أمتار ويزن قرابة 13 طنا. العمود مصنوع من الغرانيت الوردي، واكتشف عام 1970 في مدينة أون (عين شمس)، ويعد من أهم الأعمدة التذكارية في مصر القديمة لما يحمله من نصوص تاريخية دقيقة تصف انتصارات الملك في العام الخامس من حكمه.
ومن أهم ملامحه الفنية والتاريخية:
النقوش الغائرة المنحوتة بخط هيروغليفي دقيق تُوثّق الحملات العسكرية لمرنبتاح.
وجود نصوص تشير إلى انتصار الملك على “الليبيين وشعوب البحر” وهي من أقدم الإشارات التاريخية في النصوص المصرية.
تصميم العمود المربع القاعدة الذي يجمع بين الجمال الهندسي والرمزية الدينية.
يُعتقد أن العمود كان قائمًا أمام معبد ضخم في هليوبوليس قبل نقله.
يعرض الآن في بهو GEM بطريقة تسمح للزوار بالدوران حوله ومشاهدة النقوش من كل زاوية.
الدرج العظيم – ممر الحضارات الخالدة
يعد الدرج العظيم (The Grand Staircase) من أكثر العناصر المعمارية تفردا في المتحف المصري الكبير، إذ يضم أكثر من 59 قطعة أثرية ضخمة تمثل مختلف العصور المصرية من الدولة القديمة حتى العصر اليوناني الروماني. يمتد الدرج على ارتفاع شاهق داخل البهو الرئيسي ليقود الزوار نحو قاعات العرض الدائمة في مشهد بانورامي مذهل يُطل مباشرة على أهرامات الجيزة.
ومن أبرز ما يميزه:
القطع المعروضة عليه تشمل تماثيل ضخمة لملوك وآلهة، مثل سنوسرت الثالث وأمنحتب الثالث.
الإضاءة المصممة خصيصًا لتسليط الضوء على كل قطعة بشكل فني يبرز ملامحها دون إبهار بصري زائد.
النهاية العلوية للدرج تفتح على شرفة زجاجية تمنح الزائر رؤية بانورامية للأهرامات.
يعدّ الدرج بمثابة “رحلة زمنية عمودية” تجسد تطور الفن والنحت المصري عبر آلاف السنين.
كثير من الزوار يصفونه بأنه أفضل موقع للتصوير داخل المتحف نظرًا لعظمته المعمارية.
متحف مراكب خوفو – معجزة هندسية عمرها 4600 عام
في مبنى مستقل بجوار المتحف الرئيسي، يقع متحف مراكب الملك خوفو (Khufu Boat Museum) الذي يعرض واحدة من أقدم وأعظم الاكتشافات الأثرية في العالم: مركب الشمس، الذي اكتشف عام 1954 عند قاعدة الهرم الأكبر. يبلغ طول المركب نحو 43 مترًا وصُنع بالكامل من خشب الأرز اللبناني، وظل محفوظًا بعناية مذهلة داخل حفرة مغلقة منذ أكثر من 46 قرنًا.
ومن ملامحه الفريدة:
المركب الأول يُعرض بعد ترميمه بشكل ثلاثي الأبعاد يتيح للزائر المشاهدة من جميع الاتجاهات.
تُعرض القطع الأصلية في بيئة محكمة بدرجة حرارة ورطوبة ثابتة لحمايتها من التلف.
يجري العمل حاليًا على إعادة تجميع المركب الثاني أمام الجمهور باستخدام أحدث تقنيات الترميم.
يعد المركب أقدم أثر عضوي في التاريخ البشري، ويرمز إلى رحلة الملك إلى السماء في الحياة الأبدية.
استخدام تقنيات عرض رقمية توضح للزائر كيفية تصنيع وربط ألواح الخشب باستخدام الحبال فقط دون مسامير.
كنوز لا تفوت في جولتك داخل GEM
إلى جانب المعروضات الكبرى، يحتوي المتحف المصري الكبير على قطع صغيرة لكنها ذات قيمة أثرية وجمالية هائلة تعرض لأول مرة. من بينها أدوات الزينة، والأواني الكريمة، والحلي الذهبية التي كانت تستخدمها الملكات، إضافة إلى برديات نادرة ووثائق مكتوبة بالهيروغليفية. هذه المعروضات تُبرز الجوانب الإنسانية والفنية في حياة المصريين القدماء، بعيدًا عن الطابع الملكي التقليدي.
ومن بين هذه الكنوز الاستثنائية:
تمائم وأحجبة واقية كانت توضع في المقابر لحماية المتوفى في العالم الآخر.
أدوات كُحل ومستحضرات تجميل صنعت من معادن طبيعية نادرة مثل المالاكيت واللازورد.
أساور وأطواق ذهبية تعود إلى الملكة تيي وزوجات رمسيس الثاني.
برديات تحتوي على فصول من كتاب الموتى، تعرض بطريقة رقمية تفاعلية.
مجموعة أدوات حرفية تُظهر دقة الحرفيين المصريين القدماء في صناعة الخشب والعاج.
مساحة المتحف المصري الكبير وعدد القطع الأثرية
يعد المتحف المصري الكبير (GEM) أكبر متحف آثار في العالم، إذ يمتد على مساحة تفوق 100 ألف متر مربع في موقع استراتيجي أمام أهرامات الجيزة مباشرة. يضم المتحف أكثر من 100,000 قطعة أثرية تمثل جميع العصور المصرية القديمة، بداية من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني. صمم المتحف وفق رؤية معمارية تجمع بين الحداثة والرمزية التاريخية، ليكون مركزا ثقافيا وسياحيا متكاملا يستوعب ما يزيد على 5 ملايين زائر سنويًا.

التصميم المعماري المميز للمتحف
استوحى المعماريون تصميم الواجهة من شكل الأهرامات باستخدام تقسيمات هندسية تعتمد على المثلثات المتداخلة، ما يمنح المبنى مظهرا بصريا مهيبا يوحي بالاستمرارية والخلود. جاء هذا التصميم وفق نظرية رياضية بولندية تتناول فكرة التقسيم اللانهائي للمثلث، في إشارة رمزية إلى استمرارية التاريخ المصري عبر العصور.
ومن أبرز ملامح التصميم المعماري:
واجهة ضخمة من الزجاج والحجر الجيري تعكس ضوء الشمس على تمثال رمسيس الثاني داخل البهو.
تصميم داخلي يعتمد على المحاور البصرية التي تربط الزائر بالأهرامات في كل زاوية.
استخدام أحدث أنظمة العزل الحراري لتقليل استهلاك الطاقة بنسبة تتجاوز 30%.
ممرات واسعة تسمح بتدفق الزوار بانسيابية دون ازدحام.
ربط ذكي بين قاعات العرض والمناطق التجارية والترفيهية بخطة معمارية موحدة.
عدد القطع الأثرية وتنوعها الزمني
يحتوي المتحف على أكثر من 100,000 قطعة أثرية، منها ما لم يعرض من قبل. ترتب المعروضات بطريقة تسرد تطور الحضارة المصرية من خلال حقبها المختلفة، بحيث ينتقل الزائر في رحلة تاريخية متدرجة من عصور ما قبل الأسرات إلى العصر البطلمي. هذه الطريقة المبتكرة في العرض تجعل التجربة أشبه بموسوعة حيّة للتاريخ المصري.
ومن أبرز تفاصيل المقتنيات:
حوالي 5400 قطعة من كنوز الملك توت عنخ آمون معروضة بالكامل لأول مرة.
قطع من العصر القديم والوسيط والحديث توضح تطور فنون النحت والمعمار.
آثار نادرة من الدولة الحديثة تكشف عن ازدهار الحرف اليدوية والصناعة الملكية.
مقتنيات يونانية ورومانية تسلط الضوء على تفاعل الحضارة المصرية مع الثقافات الأخرى.
عروض تفاعلية رقمية تُظهر مراحل تصنيع الأدوات والتماثيل في مصر القديمة.
مركز الترميم العملاق بالمتحف
يضم المتحف المصري الكبير أكبر مركز ترميم أثري في الشرق الأوسط، يمتد على مساحة 32 ألف متر مربع تحت مستوى سطح الأرض بـ 10 أمتار تقريبا. صمم المركز لتأمين عمليات ترميم ونقل القطع الأثرية عبر نفق آمن بطول 300 متر يربط بينه وبين قاعات العرض.
ويضم المركز 19 معملًا متخصصًا، من أبرزها:
معمل الأحجار: لترميم التماثيل والمنحوتات الضخمة باستخدام تقنيات ليزر دقيقة.
معمل الأخشاب: لمعالجة التوابيت الملكية والمراكب الأثرية باستخدام مواد تثبيت عضوية.
معمل الزجاج والمعادن: لترميم الأواني والحلي الدقيقة مع الحفاظ على ألوانها الأصلية.
معمل المومياوات: لترميم البقايا الآدمية والحيوانية باستخدام أجهزة حفظ بيئي متطورة.
معمل الميكروسكوب الإلكتروني: لدراسة المكونات الكيميائية والبيولوجية للآثار قبل معالجتها.
المرافق والخدمات داخل المتحف
لم يصمم المتحف كصالة عرض فقط، بل كمدينة ثقافية متكاملة تضم مكتبات ومراكز مؤتمرات ومناطق ترفيهية. تشمل المرافق مكتبة متخصصة في علم المصريات، وسينما ثلاثية الأبعاد، ومركزًا للأبحاث، إلى جانب محال تجارية ومطاعم تطل على الأهرامات مباشرة لتوفير تجربة سياحية متكاملة.
ومن أبرز تفاصيل هذه المرافق:
20 محلًا تجاريًا لبيع المستنسخات الأثرية والهدايا السياحية.
8 مطاعم ومقاهٍ فاخرة بإطلالات بانورامية على الأهرامات.
مركز مؤتمرات دولي مجهز بأحدث أنظمة الصوت والعرض.
فندق صغير يحتوي على 30 غرفة لخدمة الباحثين والزوار الأجانب.
مواقف سيارات واسعة وسهلة الوصول تستوعب أكثر من 2000 سيارة يوميا.
الممشى السياحي بين المتحف والأهرامات وخطط التطوير المستقبلية
يعد الممشى السياحي بين المتحف المصري الكبير ومنطقة الأهرامات من أكثر المشاريع المنتظرة ضمن خطة تطوير هضبة الجيزة، حيث يهدف إلى تحويل المنطقة بأكملها إلى مقصد سياحي عالمي متكامل يربط بين الماضي العريق والمستقبل الحديث. صمم الممشى ليكون تجربة ثقافية وترفيهية في آنٍ واحد، تسمح للزوار بالانتقال سيرًا على الأقدام أو عبر مركبات صديقة للبيئة من المتحف إلى الأهرامات في بيئة آمنة ومفتوحة.
ومن أبرز تفاصيل المشروع ومميزاته:
يمتد الممشى على طول المنطقة الواقعة بين ميدان الرماية ومنطقة الأهرامات، بطول يقارب 2.5 كيلومتر تقريبًا.
تم التخطيط لإزالة نادي الرماية وبعض المنشآت القديمة لإفساح المجال أمام الممر الأخضر الجديد.
سيُقام كوبري علوي فوق طريق الفيوم لتسهيل حركة الزوار دون عوائق مرورية.
يضم الممشى مناطق استراحة ومراكز استعلام سياحية ومقاعد مظللة موزعة على امتداد الطريق.
سيستخدم في النقل السياحي سيارات كهربائية صغيرة (طفطف حديث) للحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات.
علاوة على ذلك، سيرتبط الممشى بنظام إضاءة ليلية ذكية تتيح للزائرين الاستمتاع برحلة آمنة حتى المساء، بالإضافة إلى شاشات رقمية توضح الاتجاهات وتعرض نبذات عن تاريخ كل معلم أثري في الطريق. كما يخطط لأن يصبح الممشى محورًا رئيسيًا لجولات العائلات والسياح الدوليين، ما سيعزز من حركة السياحة الداخلية ويضاعف مدة إقامة الزوار في منطقة الجيزة.
وبذلك، لا يعد الممشى مجرد طريق بين موقعين أثريين، بل جسرا ثقافيا وسياحيا يجمع بين عظمة الأهرامات وروعة التصميم الحديث للمتحف، ويحول الزيارة إلى رحلة متكاملة تمتد من عمق التاريخ إلى روح مصر المعاصرة.
مراحل إنشاء المتحف المصري الكبير ونقل الآثار
مرّ مشروع المتحف المصري الكبير (GEM) بعدة مراحل دقيقة امتدت على مدار أكثر من عقدين من الزمن، ليصبح اليوم أضخم صرح حضاري في العالم مخصص للحضارة المصرية. بدأ العمل من مرحلة التصميمات الهندسية الأولى وحتى التشغيل التجريبي في عام 2025، وتخللت هذه المراحل جهودًا معمارية وهندسية متواصلة، ودعمًا دوليًا كبيرًا من خلال قروض ميسرة ومساهمات فنية وتقنية. وقد شملت عملية التطوير مراحل متعددة من التصميم والبناء والترميم والنقل الآمن للآثار، مما جعل المتحف نموذجًا عالميًا للتخطيط الثقافي والتنفيذ الهندسي الدقيق.

المرحلة الأولى – التصميمات والمخططات الهندسية
كانت هذه المرحلة حجر الأساس لمشروع المتحف، إذ بدأت بالإعلان عن المسابقة المعمارية الدولية في عام 2002 برعاية اليونسكو، والتي شارك فيها 1557 مشروعًا من 83 دولة. فاز بالتصميم النهائي تحالف معماري دولي من خمس دول، واعتمدت الخطط على دمج الرموز المصرية القديمة بالتكنولوجيا الحديثة لتجسيد روح الأهرامات بأسلوب هندسي مستقبلي.
ومن أبرز تفاصيل المرحلة الأولى:
وُضع حجر الأساس في 4 فبراير 2002 بحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير الثقافة فاروق حسني.
استغرقت الدراسات الفنية والمعمارية 3 سنوات بتكلفة مليوني دولار شملت إعداد 8 مجلدات من الرسومات والمخططات.
بدأت المرحلة الأولى من التنفيذ بين نوفمبر 2003 ومايو 2004 وركّزت على تحديد الموقع والاختبارات الجيولوجية.
تضمنت إعداد التصميم الابتدائي ثم النهائي الذي وضع الأساس لبناء المتحف وفق أعلى معايير السلامة.
مثّلت هذه المرحلة البداية الفعلية لفكرة أن يكون المتحف متصلًا بصريًا وهندسيًا بأهرامات الجيزة.
المرحلة الثانية – بدء أعمال البناء والإنشاءات الرئيسية
انطلقت هذه المرحلة في مايو 2005، بالتوازي مع الانتهاء من التصميمات النهائية، لتبدأ أعمال الحفر والتشييد للمباني الأساسية. شملت المرحلة بناء مركز الترميم، ومحطة الطاقة الكهربية، ومحطة مكافحة الحريق، ومبنى الأمن والمخازن الأثرية، وقد بلغت تكلفتها الإجمالية نحو 240 مليون جنيه مصري تم تمويلها بالكامل من صندوق تمويل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار.
أبرز إنجازات المرحلة الثانية:
تجهيز الموقع بالكامل عبر إزالة المخلفات وبناء سور بطول 3 كيلومترات لتأمين المنطقة.
نقل تمثال رمسيس الثاني إلى موقعه المؤقت داخل المتحف عام 2006 استعدادًا للعرض النهائي.
إنشاء محطة طاقة مركزية لتغذية مركز الترميم والمباني المساعدة.
تنفيذ محطة إطفاء حديثة بإدارة دفاع مدني متكاملة مزودة بأنظمة إنذار ذكية.
الانتهاء من مركز الترميم في فترة 21 شهرًا مع تزويده بأحدث المعدات لترميم 100 ألف قطعة أثرية.
المرحلة الثالثة – بناء الصالات والمباني المتحفية الكبرى
تمثل هذه المرحلة القلب المعماري للمتحف، إذ شملت بناء صالات العرض المتحفي، ومركز المؤتمرات، والمكتبة الأثرية، ومتحف الطفل، ومتحف ذوي الهمم، إلى جانب المنطقة الترفيهية والاستثمارية. بدأت أعمال البناء الكبرى عام 2012 واستمرت لسنوات، مع إزالة أكثر من 2.25 مليون متر مكعب من الرمال لتسوية الأرض قبل التشييد.
تفاصيل المرحلة الثالثة:
إنشاء المبنى الرئيسي للمتحف على مساحة 108 ألف متر مربع باستخدام الخرسانة المسلحة عالية المقاومة.
تصميم الدرج العظيم ليضم 59 قطعة أثرية ضخمة من مختلف العصور المصرية.
تنفيذ قاعات عرض متقدمة مزودة بإضاءة رقمية وأنظمة تحكم بيئي دقيقة لحماية الآثار.
بناء مركز الوسائط المتعددة لتقديم عروض تفاعلية بتقنيات الواقع الافتراضي.
تطوير متحف الأطفال باستخدام الوسائط التعليمية الحديثة لتبسيط التاريخ المصري للأجيال الجديدة.
المرحلة الرابعة – الافتتاح التجريبي والاستعداد الرسمي
مع اقتراب موعد الافتتاح الكبير، بدأت المرحلة الرابعة في عام 2025، حيث شمل التشغيل التجريبي للمتحف بدءًا من 16 أكتوبر لبعض الأقسام قبل إغلاقه مؤقتًا للتحضيرات اللوجستية. جرى التنسيق لتدشين الافتتاح الرسمي يوم 1 نوفمبر 2025 بحضور قيادات دولية وشخصيات ثقافية من مختلف أنحاء العالم.
تفاصيل المرحلة النهائية:
تضمنت تجهيز قاعات العرض الأخيرة لمجموعة الملك توت عنخ آمون وإجراء اختبارات الإضاءة النهائية.
تم تنفيذ أعمال تأمين متكاملة تشمل أنظمة دخول ذكية وكاميرات مراقبة تغطي كامل المبنى.
تدريب فرق متخصصة من أمناء المتاحف والمرشدين لإدارة تدفق الزوار المتوقع أن يتجاوز 15 ألف زائر يوميًا.
إغلاق المتحف مؤقتًا من 15 أكتوبر إلى 4 نوفمبر لتنفيذ أعمال التنظيم والتدريب قبل الافتتاح الرسمي.
تحديد 4 نوفمبر 2025 موعدًا لاستقبال الجمهور تزامنًا مع الذكرى 103 لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون.
نقل الآثار إلى المتحف المصري الكبير
تزامن مع بناء المتحف واحدة من أعقد عمليات نقل الآثار في تاريخ مصر الحديث، إذ جرى نقل آلاف القطع من مواقع متعددة وفق أعلى المعايير العالمية للحفاظ على سلامتها.
نقل تمثال رمسيس الثاني
يعد نقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى موقعه الحالي أمام بهو المتحف عام 2006 واحدة من أكثر عمليات النقل دقة في العالم. بلغ وزن التمثال 83 طنًا، ونُقل باستخدام شاحنة خاصة مجهزة بأنظمة اهتزاز ورفع هيدروليكي دقيقة.
تفاصيل عملية النقل:
جرى النقل في ساعات الفجر لتجنب ازدحام الطرق وتأمين المسار بالكامل.
شارك في العملية أكثر من 100 مهندس وفني من وزارات النقل والآثار والدفاع.
قسم الطريق إلى مقاطع تم فيها تثبيت أجهزة استشعار لقياس الاهتزازات بدقة.
وضع التمثال مؤقتًا في ساحة داخلية حتى تم نقله نهائيًا للبهو الرئيسي عام 2018.
العملية وثّقت بالكامل بالفيديو لتُعرض داخل المتحف ضمن تجربة “رحلة التمثال التاريخية”.
نقل آثار الأقصر
في مارس 2016، نقلت نحو 778 قطعة أثرية من الأقصر إلى المتحف المصري الكبير وسط إجراءات تأمين استثنائية. تنتمي أغلب القطع إلى عصر الدولة الحديثة، من بينها تماثيل ضخمة للملك أمنحتب الثالث والإله حورس من الغرانيت الوردي.
تفاصيل النقل:
تم تغليف كل قطعة بمواد عازلة للصدمات والرطوبة طبقًا للمعايير العالمية.
استخدمت صناديق خشبية مبطنة بمواد رغوية لضمان الثبات أثناء النقل.
شارك فريق الترميم في متابعة الحالة الفنية لكل قطعة بعد وصولها مباشرة.
تم نقل بعض التوابيت والفخار النادر المخصص للعرض على الدرج العظيم.
العملية استغرقت أكثر من 10 أيام بمشاركة قوات تأمين من الجيش والشرطة.
نقل آثار المتحف المصري بالتحرير
في سبتمبر 2016، نُقلت 525 قطعة أثرية من المتحف المصري بالتحرير إلى GEM، منها 367 قطعة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون، وذلك تمهيدًا لعرض مجموعته الكاملة في القاعة المخصصة له.
تفاصيل العملية:
جرى تصنيف المقتنيات وفق الحالة الفنية وتاريخ الاكتشاف قبل التغليف.
استُخدمت مركبات مبردة للحفاظ على درجة حرارة ثابتة لا تتجاوز 22 درجة مئوية.
تم توثيق كل قطعة رقمياً بنظام QR Code قبل خروجها من المتحف القديم.
وصلت القطع إلى مركز الترميم مباشرة لإجراء فحص شامل قبل العرض.
ساهمت العملية في تدريب كوادر مصرية شابة على تقنيات النقل الأثري الآمن.
نقل مركب خوفو الثانية
تعد عملية نقل مركب خوفو الثانية من أصعب العمليات الأثرية الحديثة، حيث جرى تفكيكها ونقلها من موقعها بجوار الهرم الأكبر على عدة مراحل إلى المتحف.
تفاصيل النقل والترميم:
نقلت القطع الخشبية الأصلية وعددها أكثر من 1200 قطعة إلى مركز الترميم بالمتحف.
استخدمت رافعات هيدروليكية مزودة بأنظمة تحكم رقمية لتفادي أي كسر.
تعرض المركب داخل قاعة مخصصة تسمح للزوار بالدوران حولها بزاوية 360°.
تجرى حاليا أعمال إعادة التجميع باستخدام تقنيات الواقع المعزز (AR) لشرح مراحل البناء.
يعد المركب من أقدم القطع العضوية في التاريخ، إذ يعود عمره إلى أكثر من 4600 عام.
في النهاية ، يمكن القول إن المتحف المصري الكبير لم يبْنَ فقط ليكون مخزنًا للآثار، بل ليكون منارة ثقافية عالمية تجسد روح الحضارة المصرية في أبهى صورها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجهد المبذول في تصميمه وإنشائه ونقل كنوز مصر القديمة إليه يعد شهادة على قدرة المصريين على الإنجاز والإبداع في آنٍ واحد. لكن الأهم من ذلك أن افتتاح المتحف في نوفمبر 2025 يمثل بداية عهد جديد في السياحة الثقافية المصرية، حيث يجتمع التاريخ والفن والتكنولوجيا في مكان واحد ليحكي قصة حضارة تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام. وبالتالي، فإن زيارة المتحف المصري الكبير ليست مجرد رحلة في الماضي، بل تجربة إنسانية استثنائية تربط بين عظمة التاريخ وابتكار الحاضر، لتبقى مصر دائمًا — كما كانت — قلب الحضارة وذاكرتها التي لا تنطفئ.
كما يمكنك الاطلاع على المقالات التالية :
أفضل وقت لزيارة المتحف المصري الكبير وتجربة أقل ازدحامًا
كم سعر تذكرة المتحف المصري الكبير؟ كل ما تحتاج معرفته قبل الزيارة




















